فصل: فصل في الوديعة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في الوديعة:

وهي بالمعنى المصدري كما قال (خ): توكيل على مجرد حفظ مال فخرج به إيداع الأب ولده لمن يحفظه لانتفاء لوازم الوديعة من الضمان ونحوه، وخرج أيضاً الأمة المتواضعة لأن القصد إخبار الأمين بحيضتها وعدمه لا حفظها، وخرج بقوله مجرد حفظ إلخ. الإجارة على حراسة المال ويشمل قوله مال الرباع ونحوها، وإذكار الحقوق لأنها منضمة للمال وتحفظ لأجله وبالمعنى الاسمي مال نقل لمجرد حفظه.
وَيضْمَنُ المُودَعُ معْ ظُهُورِ ** مخَايلِ التَّضييع والتّقصيرِ

(ويضمن المودع) بفتح الدال الرشيد ما تلف من الوديعة (مع ظهور مخايل) أي دلائل (التضييع) منه كلبس الثوب المودع وركوب الدابة المودعة فهلكا وقت الانتفاع بهما (والتقصير) في الحفظ كعدم تفقد الثوب المودع حتى تسوس كما في الزرقاني عند قوله في العارية: وحلف فيما علم أنه بلا سببه إلخ. قائلاً يؤخذ من هذه المسألة أنه يجب عليه تفقد العارية، وكذا يجب عليه تفقد الرهن والشيء المودع إلخ. ومن ذلك من أودع مائة مثقال مثلاً فجعلها في داره على سريره أو في كوة ولو غير نافذة وسرقت، فإنه يضمنها لأنه مضيع ومفرط بالنسبة إلى أهل بيته وتقطع يد السارق إذا سرقها لأن المودع عنده ليس بمضيع لها بالنسبة إلى الأجنبي قاله السوداني (خ): وضمن بسقوط شيء من يد المودع عليها وضمن أيضاً بانتفاعه بها فهلكت وبخلطها حيث تعذر تمييزها وبنسيانها في موضع إيداعها وبدخوله الحمام بها وبخروجه بها يظنها له فتلفت، لا إن نسيها في كمه فوقعت أي سقطت أو شرط عليه الضمان فلا ضمان عليه.
ولا ضَمَان فِيهِ للسَّفيهِ ** وَلا الصَّغِير معْ ضَياعٍ فِيهِ

(ولا ضمان فيه) أي في الشيء المودع والمعار (للسفيه) أي عليه فالللام بمعنى (على) كقوله تعالى: {وإن أسأتم فلها} (الإسراء: 7) (ولا) على. (الصغير)، المميز وأحرى غيره (مع ضياع فيه) أي في الشيء المودع وشمل كلامه ما إذا قامت بينة على تضييعهما أو تقصيرهما أو تعمدهما للإتلاف، ومجرد الدعوى من وليهما بذلك فالكل لا ضمان فيه لأن ربها سلطه عليها ولو ضمن لبطلت فائدة الحجر، اللهم إلا أن يصون به ماله فيضمن في المال الذي صونه أي حفظه خاصة، فإذا باع الوديعة مثلاً وصرف بعض ثمنها في نفقته التي لا غنى عنها وتلف البعض الآخر أو أكل بعضها وتلف البعض الآخر فلا يضمن إلا القدر الذي صرفه في نفقته التي لا غنى له عنها دون الذي تلف أو التي له غنى عنها ويضمن في المال الذي كان بيده وقت الإنفاق فقط، فإن تلف ما كان بيده وقتئذ أو لم يف بما أنفقه وأفاد غيره لم يضمن فيه قاله اللخمي وغيره. وحاصله أن يضمن الأقل مما بيده أو أنفقه فإذا كان المال الذي بيده يساوي عشرة الوديعة عشرون وقد أنفقها لم يضمن إلا عشرة، وكذلك العكس وهو محمول على أنه أنفقه فيما له غنى عنه حتى يثبت أنه أنفقه فيما لا غنى عنه فيضمنه حينئذ كما قاله ابن رشد. ويأتي هذا أيضاً أول باب الرشد، ومفهوم الإيداع أن المحجور صغيراً كان أو كبيراً إذ أتلف ما لم يودع عنده ولا أمن عليه فإنه يضمنه ويتبع به في ذمته إن لم يكن له مال وقت الإتلاف قال في المدونة. ومن أودعته وديعة فاستهلكها ابنه فذلك في مال الابن فإن لم يكن له مال ففي ذمته. اهـ. وهو منطوق قول (خ) وضمن ما أفسد إن لم يؤمن عليه، ومفهومه هو ما صرح به في الوديعة حيث قال: وإن أودع صبياً أو سفيهاً أو أقرض أو باع فأتلف لم يضمن إلخ. وهو ما للناظم هنا وسيأتي عند قول الناظم أيضاً في الحجر به وكلما أتلفه المحجور فغرمه من ماله المشهور إلخ.
تنبيهان:
الأول: إذا أودع المحجور وديعة عند رشيد فتلفت فإن الرشيد يضمنها ولو تلفت بغير سببه ولو لم يعلم الرشيد بحجره قاله الرزقاني وهو ظاهر لتعديه بقبضها ونقلها بغير إذن معتبر، بل ذكر المواق عن البرزلي عند قول (خ): وإن أودع صبياً إلخ. أن أبا محمد بن أبي زيد أفتى بضمان رجل أعطاه صبي مالاً ثم رده عليه لأنه رد لمن يجوز له أن يعطاه. اهـ. وأما المحجور إذا أمن محجوراً أو عامله فأتلف الثمن فإن الضمان على المتلف بكسر اللام قاله ابن رحال عند قوله في النكاح: ولولي صغير فسخ عقده إلخ.
الثاني: من أدى عن محجوره ما لزمه من متاع كسره أو أفسده أو اختلسه فإنه يرجع عليه به في ماله ويتبع به في ذمته لم يكن له مال، وهذا إن لم يؤمن عليه فإن كان قد أمن عليه لم يتبع به في ذمته، وإنما يرجع عليه في المال الذي بيده إن كان صون به ماله لا فيما أفاد بعد ذلك.
وَالتَّجْرُ بالمودَعِ مِنْ أَعْمَلَهُ ** يَضْمَنُه وَالرِّبْحُ كلُّه لهُ

(والتجر بالمودع) مبتدأ (من) مبتدأ ثان (أعمله) صلته والضمير للتجر (يضمنه) أي المودع بالفتح ولو تلف بغير سببه لأن التجر به يتضمن سلفه وضمان السلف من المتسلف (والربح) الحاصل بسبب التجارة (كله له) أي للمودع بالفتح لأن الخراج بالضمان وإنما يطيب له الربح إذا رد رأس المال كما هو وإلا فلا يحل له منه قليل ولا كثير قاله بعض المتأخرين، وظاهر النظم أن الربح كله له كانت الوديعة عيناً أو مثلياً أو مقوماً وهو كذلك غير أنه إذا كانت مقوماً أو كان المودع بالفتح معدماً حرمت التجارة ابتداء، وإن كانت عيناً أو مثلياً كرهت ابتداء أيضاً (خ): وحرم أي على المودع سلف مقوم ومعدم وكره النقد والمثلى كالتجارة والربح له وبرئ إن رد غير المحرم إلخ. أي إذا تسلف الوديعة ليتجر بها ونحو ذلك. وادعى رد مثلها لمحله فإن كان لا يحرم تسلفها كالنقد والمثلى فإنه يصدق في رده وفي تلفه بعده، وإن كان يحرم تسلفها كالعرض فإنه لا يصدق في رده ولا في تلفه بعده.
تنبيهان:
الأول: الوصي والغاصب كالمودع في كون الربح لهما إذا اتجرا بالمال لأنفسهما بخلاف المقارض والمبضع معه فليس لهما أن يتجرا لأنفسهما، فإن فعلا فالتلف والخسر عليهما والربح لرب المال، وكذا الوكيل. وتقدم آخر اختلاف المتبايعين ما إذا قال الوكيل: اشتريته لنفسي، وقال الموكل: بل لي فانظره هناك قال في المنهج:
والربح تابع للمال ما عدا ** غصباً وديعة وتفليساً بدا

ومراده المفلس يوقف ماله فيتجر فيه فالربح له لا للغرماء، وهذا على القول بأن ضمانه إذا تلف منهم لا من المفلس، وأما على أن الضمان من المفلس فذلك باق على قاعدة اتباع الربح للمال، والمشهور أن ضمان العين منهم وضمان العرض منه وعليه فإنما ذلك بالنسبة للمفلس في ربح العين فقط.
الثاني: كون الربح للمودع ومن في معناه واضح إن كانت الوديعة دنانير أو دراهم وإن كانت عرضاً فربها مخير في الثمن أو القيمة يوم التعدي فإن اختار القيمة فلا كلام، وإن اختار الثمن فإن كانت فيها زيادة قبل البيع فهي للمودع بالكسر وما حدث بعد البيع فللمودع بالفتح كأن يكون العرض بعشرة فباعه بعشرين واشترى به سلعة باعها بثلاثين فالربح في البيعة الأولى وهو عشرة لربها، وفي الثانية وهو عشرة للمودع بالفتح، وأما إذا كان يبيع العرض بالعرض وهلم جرّا فلا ربح له وله الأجرة قاله الزرقاني. ومحل التخيير في الثمن والقيمة إذا مات، وأما إن كان قائماً فيخير بين الإجارة وأخذ الثمن أو رد البيع وأخذ عرضه.
وَالقَوْلُ قَولُ مُدَّعِ فيما تَلِفْ ** وَفي ادَّعَاءِ رَدَّهَا مع الْحَلِفْ

(و) إذا طولب المودع برد الوديعة فقال تلفت أو قال رددتها ففي الأول (القول قول مدع فيما تلف) منها مطلقاً كلاً أو بعضاً قبضها بإشهاد أم لا. لأنه أمين ويحلف إن حققت عليه الدعوى كان ممن يتهم أم لا. فإن لم تحقق عليه حلف المتهم (و) في الثاني القول له أيضاً (في ادعاء ردها) لربها (بعد الحلف) متهماً كان أم لا. حقق عليه ربها الدعوى أو اتهمه فقط في عدم الرد، فإن نكل حلف ربها في دعوى الرد مطلقاً، وفي دعوى التلف إن حقق عليه عدمه فإن اتهمه فقط غرم بمجرد نكوله ومحل كون القول له في الرد.
ما لمْ يَكُن يَقْبَضُهُ ببَيِّنَه ** فَلاَ غِنَى في الرَّدِّ إنْ يُبَيِّنَه

(ما لم يكن) المودع بالفتح (يقبضه) أي الشيء المودع (ببينه) مقصودة للتوثق وتقدمت حقيقتها في القراض (ف) إنه حينئذ (لا غنى) له (في) دعوى (الرد) عن (أن يبينه) ويقيم البينة عليه ولا تقبل دعواه الرد بدونها إذا ما قبض بإشهاد لا يبرأ منه إلا به.
تنبيه:
من ادعي عليه بوديعة فجحدها وأقام ربها بينة بالإيداع فأقام المودع بينة بالرد فهل تقبل بينة المودع أم لا؟ لأنه كذبها بالجحد الأول في ذلك خلاف جار على ضمن الإقرار هل هو كصريحه أم لا، وقد تقدم قول الناظم: ومنكر للخصم ما ادعاه إلخ. وبعضهم يقيد ذلك بمن كان عارفاً بما يترتب على جحده، فحينئذ لا تنفعه بينة الرد وإلاَّ نفعته. واعتمد هذا التقييد (ح) والرهوني وغيرهما، وفيه نظر فإن المعمول به هو الإطلاق كما مر في شرح نص النظم المذكور ونحوه في نظم العمل المطلق حيث قال:
ولا تصدق جاحد الإيداع ** من أصله في الرد والضياع

ونقل عن سيدي مصباح وغيره أن كون مضمن الإقرار كصريحه هو مذهب المدونة، وبه العمل والقضاء. اهـ. وكثير من الناس من يحتج لصحة التقييد المذكور بقاعدة من ادعى الجهل فيما يجهله أبناء جنسه فهو مصدق إلخ. وهي قاعدة مبحوث فيها فإن صاحب المعيار لما نقلها عن أبي الحسن قال منكتاً عليه ما نصه؛ قال ابن رشد: الأصل في هذا أن كل ما يتعلق به حق الغير لا يعذر الجاهل فيه بجهله وما لا يتعلق به حق الغير فإن كان مما يسعه ترك تعلمه عذر بجهله، وإن كان مما لا يسعه ترك تعلمه لم يعذر بجهله، فهذه جملة كافية يرد إليها ما شرد منها. اهـ. ونظم كلامه صاحب المنهج، ولذا قالوا الجهل بالسبب مؤثر اتفاقاً كتمكين المعتقة جاهلة بالعتق وإسقاط الشفعة قبل علمه بالبيع والجهل بالحكم غير مؤثر على المشهور كتمكينها جاهلة أن لها الخيار، وإسقاط الشفعة عالماً بالبيع جاهلاً وجوبها. اهـ. ومع هذا كله فليس الكلام في المشهور من الأقوال، وإنما الكلام في المعمول به منها، وكل من حكى العمل من المتقدمين والمتأخرين لا يقيده بالعارف بما يترتب على حجره كما تقدم، ولو حكمت تلك القاعدة وعمل بمقتضاها وقلنا يعذر بالجهل في الحكم لم يقف عقد على ساق، إذ الناس كلهم أو جلهم عوام جهال إلا الفرد النادر الذي في حكم العدم، فيلزم على ذلك أن من أقر بألف من خمر مثلاً إذا قال: جهلت لزوم الإقرار وأن لفظة من خمر تعد من التعقيب بالرافع أنه يصدق لدعواه من يجهله أبناء جنسه، ويلزم أن من بيع عليه ماله مثلاً بحضرته وسكوته وادعى أنه جاهل بكون السكوت يعد رضا أنه يصدق، ويلزم أن من شهد له أبوه أو ابنه بحق فأقر المشهود عليه بالحق وادعى أنه أقر اتكالاً على صحة الشهادة أنه يصدق، ويلزم أيضاً أن من جهل لزوم الطلاق هزلاً يصدق، وأن المعتقة إذا ادعت أنها جهلت كون التمكين يقطع خيارها أنها تصدق، وهكذا مما لا ينحصر فيؤدي إلى حل عقود العوام كلها أو جلها مع تعلق حق الغير بها، وأي شغب أكثر من فتح هذا الباب ولهذا قال ابن رشد ما قال، وأطلق العمل جميع من تقدم من الموثقين في مسألة التكذيب للبينة ولم يفصل بين جاهل وغيره وما كان يخفى عليهم عذره بالجهل. وقد رجح ابن رحال في باب الوكالة أن الإنكار لأصل المعاملة مضر مطلقاً في الأصول وغيرها. اهـ. وانظر حاشيتنا على اللامية ولما ذكر أن المودع والمستعير كل منهما أمين لا ضمان على المودع مطلقاً ولا على المستعير فيما لا يغاب عليه كما مرَّ ناسب أن يذكر كل من شاركهما في الأمانة كما أشار له في الترجمة فقال:
وَالأُمنَاءُ في الّذِي يَلُونا ** ليسوا لشيءٍ مِنه يَضْمنُونَا

(والأمناء) جمع أمين (في الذي يلونا) مضارع ولي الأمين الشيء يليه إذا تولاه بوجه من الوجوه (ليسوا لشيء منه) أي من الذي يلون (يضمنونا) وعدهم الناظم سبعة عشر فأولهم ولي المحجور.
كالأَبِ وَالوصِيِّ وَالدَّلاَلِ ** ومُرْسِلِ صُحْبَتَهُ بالمَال

(كالأب والوصي) ووصيه ومقدم القاضي والكافر واللقيط فيما التقطه فإنهم مصدقون فيما ادعوا تلفه من مال المحجور، والذي حازوه بأيديهم كان مما يغاب عليه أم لا صداقاً كان أو غيره، ولا ضمان عليهم في شيء من ذلك (خ): وقبضه مجبر ووصي وصدقا ولو لم تقم بينة، وكذا يصدقون أيضاً في قدر النفقة، وأما دفع المال له بعد بلوغه ورشده فلا (خ): والقول في قدر النفقة لا في دفع ماله بعد بلوغه إلخ. والمراد بالكافل من حاز طفلاً بماله من غير تقديم عليه لعدم الوصول للقاضي أو لكونهم ببلد لا قاضي بها إذ القيام بالطفل وحفظ ماله حينئذ فرض كفاية على أهل البلد ويسقط بقيام بعضهم به، وأشعرت الكاف أنهم غير محصورين في السبعة عشر التي ذكرها فيدخل الزوج والزوجة إذا كان الصداق مما لا يغاب عليه وهو بيد أحدهما وطلق قبل البناء فإن ضمانه منهما ولا يرجع أحدهما على الآخر بنصفه، فإن كان مما يغاب عليه ولم تقم على هلاكه بينة فضمانه من الذي هو بيده (خ): وضمانه أي الصداق إن هلك ببينة أو كان مما لا يغاب عليه منهما وإلاَّ فمن الذي في يده، وتدخل الأمة المتواضعة أيضاً إذا كانت تحت يد المشتري فإنه مصدق في ضياعها وضمانها حينئذ من بائعها، ويدخل أيضاً من قلب فخاراً أو زجاجاً بحضرة ربه فيسقط من يده فلا ضمان عليه فيه كما مرّ في فصل بيع العروض حيث قال:
ومن يقلب ما يفيت شكله ** لم يضمن إلا حيث لم يؤذن له

ويدخل الوارث إذا طرأ عليه دين أو وارث وادعى تلف ما كان بيده بعد القسمة فإنه يصدق فيما لا يغاب عليه دون غيره كما مرَّ عن ابن رشد عند قوله في القسمة: وينقص القسم لوارث ظهر إلخ. وأما قبل القسمة فهم مصدقون مطلقاً ويدخل أيضاً المكتري لما يغاب عليه، وأحرى غيره كما قدمه في قوله:
ومكتر لذاك لا يضمن ما ** يتلف عنده سوى أن ظلما

(والدلال) ويقال له السمسار فيصدق فيما ادعى ضياعه كما يصدق في رده إلا أن يأخذه ببينة فلا يصدق في الرد كالمودع قاله البرزلي وغيره. ابن رحال في باب الوكالة: وهذا على المشهور من عدم ضمانه وأما على ما به العمل من أنه يضمن ما يغاب عليه فلا يقبل منه دعوى الرد. اهـ. وفي المعيار أن عياضاً كان يحكم بتضمين السماسرة، واستحسنه ابنه قال: ولاسيما في وقتنا هذا حيث قلت الأمانة. اهـ. وهذا هو الذي في رواية الأمهات آخر العيوب واستحسنه فضل. ابن رشد: وله وجه من القياس لأنهم نصبوا أنفسهم لذلك فصار حرفة وصناعة لهم، ولهذا المعنى ضمن العلماء الراعي المشترك وحارس الحمام لتنزيلهم منزلة الصناع. ابن الحاج: والذي عليه الفتوى والعمل أن السماسرة كالصناع فيضمنون ما يغاب عليه دون غيره. اهـ. وإليه أشار ناظم العمل المطلق فقال:
وألحقوا السمسمار بالصناع ** فضمنوه غائب المتاع

وعليه فهو ضامن لما يغاب عليه ولو ظهر خيره خلافاً لقول (خ): وسمسار ظهر خيره على الأظهر، بل أفتى ابن المكوى بضمانهم ما لا يغاب عليه أيضاً، واختاره ابن رحال في تأليف له قائلاً: لقلة أمانة النخاسين.
تنبيهان:
الأول: إذا ادعى السمسار بيع السلعة من رجل بعينه ودفعها له فأنكره الرجل فقال ابن رشد: لا خلاف أنه يضمن ولو كان العرف عدم الإشهاد إذ ليست هذه المسألة من المسائل التي يراعى فيها العرف لافتراق معانيها. اهـ. فيؤخذ منه أن شهادة السمسار عليه بالبيع لا تجوز وهو كذلك كما مر. وقوله: ولو كان العرف عدم الإشهاد خالفه في ذلك ابن أبي زيد قائلاً: لا ضمان إن كان العرف عدم الإشهاد. قال ابن رشد: وما حدث عند نشر السمسار الثوب من تمزيق مسمار ونحوه لا ضمان عليه فيه، فإن قال أهل المعرفة: ما حدث فيه لا يكون إلا عن عداء ضمن، وإن قالوا أنه محتمل فهل يحمل على العداء أو على عدمه؟ في ذلك خلاف والصواب حمله على العداء. اهـ.
الثاني: إذا أرسل شخص سمساراً ليأتيه بثوب يشتريه مثلاً فأخذه من ربه وتلف في يده فضمانه من الدافع، وقيل من المرسل بالكسر لأنه أمين لهما جميعاً فاختلف أي الأمانتين تغلب والأظهر تغليب أمانة المرسل لأنها سابقة. اهـ. وعن القابسي فيمن بعث الرجل يطلب له ثياباً فيضيع منها ثوب أن ضمانه من الآمر إن اعترف بإرساله أو ثبت عليه ويحلف السمسار أنه ما فرط وهذا داخل في قوله:
(ومرسل) بفتح السين سمساراً كان أو غيره (صحبته) كائنة (بالمال) ليشتري به ثوباً لك مثلاً أو يوصله لشخص فادعى تلفه قبل الشراء أو بعده، وكذا إن ادعى تلفه قبل وصوله للمرسل إليه فإن ادعى أنه دفعه للمرسل إليه وتلف وصدقه المرسل إليه فلا إشكال، وإن كذبه فهو ضامن (خ) في الوديعة عاطفاً على ما فيه الضمان أو المرسل إليه المنكر إلخ. وقال في المدونة: ومن بعثت معه بمال إلى رجل صدقة أو صلة أو سلفاً أو ثمن مبيع أو يبتاع لك به سلعة فقال: قد دفعته إليه وكذبه الرجل لم يبرأ الرسول إلا ببينة وإن صدقه برئ، وكذلك إن أمرته بصدقة على قوم معينين إن صدقه بعضهم أو كذبه بعضهم ضمن حصة من كذبه، ولو أمرته بصدقة على قوم غير معينين صدق مع يمينه وإن لم يأت ببينة. اهـ.
وَعَامِلِ القِرَاض وَالموَكِّلِ ** وصَانِعٍ لم يَنْتَصِبْ لِلْعَملِ

(وعامل القراض) مصدق في التلف والخسر والرد إن قبض بلا بينة كما مر في بابه (والموكل) مفوضاً أم لا إلا أن غير المفوض إذا وكل على قبض دين ونحوه وادعى تلفه بعد قبضه فإنه لا ضمان عليه ولا يبرأ المدين منه إلا ببينة تشهد بدفعه للوكيل (خ): ولو قال غير المفوض قبضت وتلف برئ ولم يبرأ الغريم إلا ببينة إلخ. وكذا لا ضمان عليه إذا ضاع الثمن منه قبل دفعه للبائع ولزم الموكل غرمه (خ): ولزمه غرم الثمن إلى أن يصل لربه أي البائع، وكذا يصدق في دفع ما قبضه من دين ونحوه لموكله (خ): وصدق في الرد كالمودع فلا يؤخر للإشهاد، وأما إذا وكله على دفع الثمن للبائع ونحوه فادعى أنه دفعه إليه وأنكره البائع فإنه ضامن ولا يصدق (خ): وضمن ان أقبض الدين ولم يشهد (وصانع) كخياط وصباغ (لم ينتصب للعمل) للناس وإنما شأنه أن يصبغ أو يخيط لنفسه فقط فواجره بعض الناس على خياطة ثوب أو صبغه وادعى ضياعه فإنه يصدق ولا ضمان عليه، ومثله الصانع الخاص برجل أو جماعة ولو كثروا فإنه لا ضمان عليه أيضاً، ومفهوم لم ينتصب إلخ. أنه إذا نصب نفسه لجميع الناس ومن تلك الصنعة معاشه، سواء كان يصنع بداره أو بحانوته وكل من أتاه بثوب خاطه أو صبغه مثلاً فإنه ضامن ولو قبضه بغير أجر إلا أن تقوم بينة على تلفه بغير سببه أو صنعه بحضرة ربه أو بمنزل ربه فضاع أو سرق فلا ضمان عليه كما قال:
وذُو انْتِصَابٍ مِثْلُهُ في عَمَلِهْ ** بِحَضْرَةِ الطالب أو بمنزِلِه

(وذو انتصاب) للصنعة (مثله) أي مثل غير المنتصب في التصديق وعدم الضمان حيث سرع (في عمله) بحانوته أو داره (بحضرة الطالب) أي ربه واستمر معه ولم يغب عنه إلى أن تلف المصنوع بغير سببه (أو) غاب الصانع على المصنوع ولكن كان يعمله (بمنزله) أي منزل الطالب الذي هو به، فإنه لا ضمان عليه أيضاً، وإن كان منتصباً للصنعة لأنه لما ضاع بحضرة ربه أو في منزله انتفت عنه التهمة.
تنبيه:
ضمان المنتصب إنما هو في المصنوع لا فيما لا صنعة له فيه كالكتاب الذي ينسخ له منه، وظرف القمح عند الطحان فلا ضمان عليه في الظرف والكتاب المنسوخ منه، وإنما هو أيضاً إذا لم يكن في الصنعة تغرير، فإن كان فيه تغرير مثل نقش فص وثقب لؤلؤ وتقويم سيف وحرق خبز بفرن وحرق ثوب بقدر صباغ فلا ضمان إلا أن يأخذ الصنعة من غير وجهها لعدم معرفته بها أو يعرفها، ولكن تعدى فأخذها على غير وجهها فيضمن حينئذ، ومثل ذلك البيطار يطرح الدابة فتموت، أو الخاتن يختن الصبي فيموت، أو الطبيب يسقي المريض فيموت أو يكويه فيموت من كيه أو يقطع منه شيئاً فيموت من قطعه، أو الحجام يقلع ضرس الرجل فيموت فلا ضمان على واحد من هؤلاء في ماله ولا في عاقلته لأنه مما فيه تغرير ما لم يأخذ الصنعة على غير وجهها قاله ابن رشد.
والمستعيرُ مِثْلُهم والمرتهِنْ ** في غَيْر قابِلِ الْمَغيبِ فاستبِنْ

(والمستعير مثلهم) أي الأمناء فهو مصدق فيما لا يغاب عليه كما مر (والمرتهن) كذلك أيضاً هو مصدق (في غير قابل المغيب) كالحيوان والعقار، وفهم منه أن قابل الغيبة لا يصدق فيه المستعير ولا المرتهن وهو كذلك (فاستبن) تتميم.
وَمُودَعٌ لدَيْهِ وَالأَجِيرُ ** فيما عليهِ الأَجْرُ والمأْمُورُ

(ومودع لديه) أي عنده هو مصدق أيضاً في التلف مطلقاً كان مما يغاب عليه أم لا. قبضه بإشهاد أم لا. ويحلف إن حققت عليه الدعوى مطلقاً فإن لم تحقق حلف المتهم كما مر (خ) وحلف المتهم ولم يفده شرط نفيها إلخ. وكذا يصدق في الرد إن قبضه بغير إشهاد كما مرّ (والأجير) على غسل ثوب أو سقي دابة ونحوهما هو أمين مصدق (في) ضياع (ما) أخذ (عليه الأجر) حيث لم يكن منصوباً لذلك، ويدخل فيه أجير الصانع وصائغه اللذان تحت يده فإنه لا ضمان عليهما، فالصانع يضمن بشروط وهي أن نصب نفسه وغاب عليه ولم يكن في الصنعة تغرير إلخ. وأجيره وصانعه لا ضمان عليهما لأنهما صانعان لخاص (خ) عاطفاً على ما لا ضمان عليه وأجير لصانع إلخ. لكن قال أشهب: محل عدم ضمانهما إذا لم يغيبا فقال في الغسال تكثر عليه الثياب فيؤاجر أجراء يبعثهم إلى البحر بالثياب يغسلونها فتتلف أنهم ضامنون، وكذلك أجراء الخياط ينصرفون بالثياب إلى بيوتهم فتتلف أنهم ضامنون. ابن ميسر: وهذا إذا واجره على عمل أثواب مقاطعة أي كل ثوب بكذا، ابن يونس: لأنه حينئذ كصانع دفع إلى صانع ما استعمل عليه، وأما إن كان واجره يوماً أو شهراً فدفع إليه شيئاً يعمله في داره وغاب عليه فلا ضمان عليه. اهـ. وكلام ابن ميسر تفسير لكلام أشهب، كما أن قول أشهب تقييد للمدونة كما يفهم من كلام ابن يونس وابن عرفة وغيرهما.
(والمأمور) بالإتيان لحاجة أو ردها أو وضعها في محل كذا بغير أجر فيدعي تلفها فهو مصدق ولا ضمان عليه، فإن كان بأجر فهو ما قبله على أن المأمور هو الوكيل.
وَمثْلُهُ الرَّاعِي كذا ذو الشّرِكَه ** في حالةِ البضَاعَةِ المشترَكَه

(ومثله) في التصديق وعدم الضمان (الراعي) غير المشترك وهو الراعي الخاص بواحد أو جماعة فإنه لا ضمان عليه فيما ادعى تلفه بغير تعد ولا تفريط، وهو محمول على عدم العداء والتفريط (خ): وهو أمين فلا ضمان عليه ولو شرط إثباته إن لم يأت بسيمة الميت إلخ. وهذا في الراعي المكلف الرشيد لا غير الرشيد، فإنه لا ضمان عليه ولو تعمد إتلاف الماشية كما مرَّ في قوله: ولا ضمان فيه للسفيه إلخ. وراعي الدولة بالنوبة كالراعي الخاص لا ضمان عليه فيما ادعى تلفه وإن كان محجوراً واسترعاه أرباب الماشية في نوبته أو نائباً عن غيره عالمين به أو عادتهم ذلك فلا ضمان عليه ولو تعمد الإتلاف كما مر. وأما الراعي المشترك وهو الذي ينصب نفسه لرعي كل من يأتيه بدابة أو بقرة أو شاة فإنه ضامن لما ادعى تلفه قال في العمليات:
ضمان راعي غنم الناس رعى ** ألحقه بالصانع في الغرم تعى

وإذا ألحق بالصانع على المعمول به فلا يصدق في الرد كما مر عن المقدمات، وأن كل من لا يصدق في التلف لا يصدق في دعوى الرد، وبه أفتى (ت) وغيره وهو ظاهر. وإن كان كالصانع أيضاً فلا ضمان على أجيره الذي يجعله تحت يده لأنه أجير لخاص كما مرَّ فلم ينصب نفسه لرعي كل دابة يؤتى إليه بها مثلاً (كذا ذو الشركة) كل منهما مصدق في التلف والخسر وغيرهما (في حالة البضاعة المشتركة) لأن كلاً من الشريكين وكيل عن صاحبه (خ) وكل وكيل عن الآخر إلخ. فيجري فيهما ما تقدم في الوكيل كانت شركة مفاوضة أو عنان وأيديهما تجول في المالين.
وَحامِلٌ للثَّقْلِ بالإطْلاَقِ ** وَضَمِنَ الطعامَ باتّفَاقِ

(و) وكذا (حامل للثقل) فإنه مصدق ولا ضمان عليه (بالإطلاق) حمل على ظهره أو دابته أو سفينته كان المحمول مقوماً أو مثلياً غير طعام كقطن وحناء ونحوها ما لم يفرط أو يقر بفعل كعلمه بضعف الحبل، ومع ذلك ربط به حمل الدابة فانقطع أو انحل فسقط المحمول فتلف فإنه يضمن المثل في المثلى والقيمة في المقوم بموضع التلف، وله من الكراء بحسب ما سار لأن الغرر بالفعل تفريط (خ) عاطفاً على ما لا ضمان فيه أو انقطع الحبل ولم يغر بفعل إلخ. وإنما يضمن مع الغرور إذا هلك المتاع من ناحية الغرور لا إن غر وسلم من ناحية الغرور وأخذه اللصوص أو سرق مثلاً فلا ضمان.
ومن الغرور بالفعل من دفع قمحه إلى رجل ليطحنه فطحنه بأثر نقش الرحى فأفسده بالحجارة فلم يضمن له مثل قمحه كما في المنتخب، ومفهوم بفعل أنه إذا غر بالقول كقوله لرب المتاع الحبل صحيح مع علمه بضعفه فتولى رب المتاع الربط به فهو غرور بالقول، وكذا إن أسلم الدابة لمن يحمل عليها وهو عالم بعثارها فحمل عليها فهو من الغرور بالقول أيضاً، وكمن سأل خياطاً قياس ثوب فقال: يكفيك وهو يعلم أنه لا يكفيه أو قلب دراهم عند صيرفي فقال: إنها جياد وهو يعلم أنها رديئة، وكبيعه خابية عالماً بكسرها وهو يعلم أن المشتري يعمل فيها زيتاً فجعله المشتري فيها فتلف فلا ضمان، كما لو دلس في بيع عبد بسرقة فسرق من المشتري شيئاً، والمشهور في الغرور بالقول عدم الضمان ما لم ينضم إليه عقد كما لو أكرى خابية عالماً بكسرها لمن يعمل فيها زيتاً فإنه يضمنه. والفرق بين البيع والكراء أن المنافع في ضمان المكري حتى يستوفيها المكتري بخلاف البيع. انظر شرح الشامل آخر الإجارة ثم اخرج الناظم الطعام من الإطلاق المتقدم فقال:
(وضمن الطعام باتفاق) وإن لم يفرط ولا تعدى على دعواه، وبه قال الفقهاء السبعة لسرعة الأيدي إليه كان الطعام من الأقوات كالقمح والشعير والأدام أو من الفواكه كالترمس ونحوه، وهو ظاهر، وأنه لا فرق بين أن يدعي ضياعه بعثار دابة أو سرقة أو بغصب أو بسماوي من الله تعالى وهو كذلك إلا أن يأتي ببينة تشهد بذلك من غير تفريط أو ضاع بصحبة ربه لأن ضياعه بحضرة ربه أقوى من قيام البينة على ضياعه لما ذكر. واختلف إن حمله في بحر وربه معه. اللخمي: والضمان أحسن ونحوه لابن يونس عن القبايسي لأنهم يخونونه بالليل، وتحصيل ما يضمنه الحمالون أم لا كما في ابن يونس على خمسة أوجه. الأول: هلك بسبب حامله من عثار أو ضعف حبل ولم يغر أو بهروب دابة أو سفينة بما عليها فلا ضمان عليه ولا أجرة، ولا يأتي بمثله ليحمله ورجع بالكراء إن دفعه لأنه على البلاغ. والثاني: ما هلك بسبب غرور حامله من عثار أو ضعف حبل فهلك، فإنه يضمن قيمة ذلك العرض بموضع الهلاك وله من الكراء بحسابه. والثالث: ما هلك بأمر من الله عز وجل بالبينة من عرض أو غيره فللمكري الكراء بأسره وعليه حمل مثله من موضع هلك فيه. والرابع: ما هلك من الطعام ولم يعلم ذلك إلا من قولهم فلا يصدقون فيه ويضمنون مثله بموضع حملوه إليه ولهم جميع الكراء. الخامس: ما هلك بقولهم من العروض ولم يعلم إلا من قولهم فهم مصدقون فيه ولهم الكراء بأسره، وعليهم حمل مثله من موضع هلك فيه إلى موضع يحمله إليه كالذي هلك بالبينة بأمر من الله. اهـ. ونقله أبو الحسن والقرافي وغيرهما مسلماً.
قلت: قوله: وعليهم حمل مثله إلخ. لعله إذا كان ربه يقدر على خلافه وإلاَّ فتنفسخ الإجارة وله من الكراء بحساب ما سار كما قالوه فيمن استؤجر على حصاد زرع ليس لربه غيره فتلف أو استؤجر على الحرث في يوم فانكسر المحراث ونحو ذلك، فإن الإجارة تنفسخ كما مرَّ في الإجارة.
تنبيهان:
الأول: ما تقدم من أنه يضمن مثل الطعام في المحل الذي يحمله إليه محله إذا علم كيله وإلا فيضمن قيمته. اللخمي: وأنا أرى إن تحاكما في موضع هلاكه غرم مثله فيه وإن تحاكما في موضع وصوله غرمة فيه انظر بقيته.
الثاني: إن شرط الحمال سقوط الضمان في الطعام أو لزوم الضمان في العروض، فروى محمد أن الشرط ساقط والعقد فاسد فإن فات فله كراء المثل. وفي المدونة قال الفقهاء السبعة: لا يكون كراء بضمان أي في العرض إلا أن يشترط على الحمال أن لا ينزل ببلد كذا أو وادي كذا ولا يسير بليل فيتعدى ما شرط عليه فتلف شيء مما حمل في ذلك التعدي فيضمنه. اهـ. وكذا يقال في الطعام مع قيام البينة وقد شرط عليه ما ذكر. والفقهاء السبعة: سعيد بن المسيب بكسر الياء المشددة، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، وخارجة بن زيد بن ثابت، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن بسار. واختلف في السابع فقيل: هو أبو بكر بن عبد الرحمن. ففي المدونة قال مالك: علم القضاء كغيره من العلوم، ولا أعلم بهذا البلد أحداً أعلم بالقضاء من أبي بكر بن عبد الرحمن، وكان أخذ شيئاً من علم القضاء من أبان بن عثمان، وأخذ ذلك أبان من أبيه عثمان. اهـ. وقيل: هو أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم، قال البرزلي في أول الأقضية: اختلف في هذين أيهما أحد الفقهاء السبعة فقيل: الأول، وقيل: الثاني والآخر أحد النظراء. وهم أي النظراء السبعة: سالم بن عبد الله، وأبان بن عثمان، وعلي بن الحسين، وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبو بكر بن عمر بن حزم، وعبد الله بن هرمز، فهؤلاء الأربعة عشر من التابعين أفقه أهل زمانهم. قال: والفقهاء السبعة حجة عند مالك. اهـ. وعلى كون أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام هو أحد الفقهاء لا أحد النظراء نظم بعضهم حيث قال:
ألا كل من لا يقتدى بأئمة ** فقسمته ضيزى عن الحق خارجه

فخذهم عبيد الله عروة قاسما ** سعيد أبا بكر سليمان خارجه

والقولُ قَوْلُهُمْ بلا يمينِ ** والاتِّهام غَيْرُ مُسْتَبينِ

(والقول قولهم) أي الأمناء المتقدمين (بلا يمين) عليهم (و) الحالة هذه وهي كون (الاتهام غير مستبين) فإن اتهم أحدهم وكان ممن يشار إليه بها وجبت عليه اليمين كما مر عن (خ) في المودع حيث قال: وحلف المتهم.
وقِيلَ مِنْ بَعْدِ اليمينِ مُطْلَقا ** وَالأَوَّلُ الأَوْلى لدى مَن حَقّقَا

(وقيل) القول قولهم (من بعد اليمين مطلقا) كان ممن يتهم أم لا (والأول) وهو عدم اليمين إذا لم يتهم هو (الأولى) والمعتمد (لدى من حققا) وعليه درج (خ) كما مر. وانظر ما تقدم في شرح قوله: وتهمة إن قويت بها تجب يمين متهوم إلخ.
وَحَارِسُ الحَمَّامِ ليس يَضْمَنُ ** وَبَعْضُهُمْ يقولُ بلْ يُضَمَّنُ

(وحارس الحمام ليس يضمن. وبعضهم يقول بل يضمن) اللخمي: اختلف في تضمين صاحب الحمام ما ذهب من الثياب فقال مالك في المدونة: لا ضمان عليه، وقال في كتاب محمد: يضمن إلا أن يأتي بحارس، وإذا أتي بحارس سقط عنه الضمان وعاد الخلاف في الحارس فقال في المدونة وكتاب محمد: لا ضمان عليه. وقال ابن حبيب: يضمن لأنه أجير مشترك وعدم الضمان أحسن. اهـ. وقال ابن رشد: حارس الثياب إن استأجره صاحب الحمام لحفظ ثياب الداخلين بأجرة ثابتة في ذمته فلا خلاف في عدم ضمانه إلا أن يفرط، وأما إن كان يحرس ثياب الناس يجمل بأخذه من كل داخل فقال مالك: لا ضمان عليه. وقال ابن لبابة: وما سواه خطأ. وقيل: يضمن لأنه كالراعي المشترك، وإليه ذهب ابن حبيب. اهـ. وقد علمت أن صاحب الحمام هو مكتريه لا حارس الثياب والخلاف فيهما معاً، والمشهور عدم الضمان فيهما كان بأجرة أم لا. (خ): كحارس ولو حمامياً إلخ. ابن عبد البر: كلا القولين معمول به على حسب الاجتهاد، ابن يونس: روى محمد إن نام حارس بيت فسرق ما فيه لم يضمنه وله أجره، وكذلك حارس النخل قال محمد: لا يضمن جميع الحراس إلا بتعد كان ما يحرسونه طعاماً أو غيره. ابن عرفة: قوله لا ضمان عليه في نومه يجب تقييده بكونه في وقت نومه المعتاد له لا في نومه في وقت حاجة العسس والحرس. وفي البرزلي عن ابن أبي زيد فيمن اكترى مخزناً للطعام وصاحبها ساكن فيها لا ضمان عليه في الطعام إذا ذهب. الشعبي: من اكترى بيتاً في داره أو حيث يسكن لخزن الطعام فضاع كله أو بعضه لا شيء على صاحب البيت ولا يمين إن كان صالحاً وإن كان متهماً حلف.
قلت: لأنه وديعة بأجرة وأخذ الأجرة لا يخرجه عن الأمانة. وفي البرزلي أيضاً قبل هذا: إن شرط الضمان على الحراس لا يلزم ولهم أجر مثلهم فيما لا ضمان عليه وتأمله مع ما في اليزناسني عن (تت) أن العرف الآن ضمان الحراس لأنهم إنما يستأجرون على ذلك. اهـ. لأن العرف غايته أن يكون كالشرط والشرط بالصراحة لا ضمان فيه.
تنبيهات:
الأول: قال البرزلي: حارس الطعام إذا استخلف غيره فالصواب ضمانه إلا أن يستخلف لضرورة قوياً مثله على الحرس.
الثاني: جزم ابن رحال في تضمين الصناع بأن حارس الفندق وحارس الحوانيت بالليل ضامن قال: وكذا حارس الطعام في المطمر وهو المسمى بالمراس قلت: وما قاله من ضمان حارس الفندق والسوق والمطمر ظاهر لأن كلاً منهم حارس لغير منحصر ولا مخصوص. ألا ترى أن صاحب الفندق نصب نفسه لحراسة أمتعة كل من دخل إليه ووضع أمتعته فيه كانت مما يغاب عليه أم لا. فهو فيما لا يغاب عليه بمنزلة الراعي المشترك، وقد جرى العمل بتضمينه وفيما يغاب عليه كالسمسار والعمل بتضمينه أيضاً، وكذا البيات في السوق نصب نفسه لحراسة أمتعة كل من اكترى حانوتاً في ذلك المحل ووضع أمتعته فيه أيّاً كان طلع لهذا الحانوت في هذا الشهر أو السنة أو غيرهما، وحارس المطمر كذلك نصب نفسه لكل من يخزن الطعام في ذلك المحل وعلى قياسه يقال: حارس الحمام كذلك لأن العادة عندنا اليوم أن مكتري الحمام يؤاجر أجيراً تحته يقبض أجرة الداخلين للاغتسال ويحرس ثياب النساء والرجال ناصباً نفسه لذلك وهم مخصوصين ولا منحصرين، ولذا قال المتيطي عن بعض الشيوخ ما في المدونة: من عدم الضمان على حارس ثياب الحمام لا يقتضي سقوط الضمان عن مكتري الحمام لأن أجير الصانع لا يضمن ويضمن الصانع وصاحب الحمام في حكم الصانع لأن المقصود منه التنظيف والاغتسال فيضمن فيما لا يستغنى عنه على الائتمان عليه، كما قال ابن حبيب في الطحان: يضمن القمح وظرفه إلا أن يطحنه بحضرة صاحبه أو يكون كالحمال يضمن الطعام لأنه مما جرت العادة بسرعة الأيدي إليه وكذلك صاحب الحمام جرت العادة بجنايته على ثياب الناس فيضمنها. اهـ. وقد علمت أن الصواب هو الضمان في الجميع لما تقدم أن كلا القولين معمول به، وترجح الضمان بما عللوا به من جري العادة بالجناية وقد قال اليزناسني في السمسار: أن ما قاله ابن عبد البر من ضمانه هو الذي ينبغي أن يعمل به في هذه الأزمنة التي قل فيها الصدق عند من يظن به فضلاً عن غيره. اهـ. وهذا التعليل جار في جميع ما ذكرناه. وحكي أيضاً عن عياض أن الحكم بن نصر حكم بسوسة بتضمين صاحب الحمام قال القلشاني: عدل عن المشهور إلى الحكم بالشاذ مراعاة للمصلحة العامة التي شهد لها الشرع بالاعتبار فمنع من بيع الحاضر للبادي ومن بيع التلقي على القول بأنه لحق المجلوب إليهم. اهـ. وفي هذا كله كفاية لمن اكتفى.
الثالث: لو قال حارس الثياب أو الفندق دفعت ثيابك أو بهيمتك لمن شبهته بك أو قال: رأيت من أخذها وتركته يأخذها لظني أنه أنت فإنه يضمن بلا خلاف، لأن غايته أن يكون مفرطاً أو مخطئاً والخطأ والعمد في أموال الناس سواء، والتفريط هو أن يفعل ما لا يفعله الناس كما في البرزلي وهو موجب للضمان كما تقدم.